الماحي مؤسس الجيوسياسة الصينية


الماحي مؤسس الجيوسياسة الصينية

عبدالقادر فلالي ـ أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوتاوا

اعتقد الصينيون أن العالم مسطح وأن الصين هي مركز الكون لقرون خلت وأنها تقع وسط هذه الجغرافيا المسطحة. بسبب هذه الإعتقاد، عندما رأوا لأول مرة خرائط جغرافية جديدة، شعروا بالحيرة حين وجدوا إمبراطوريتهم ليست وسط الخريطة ولكن عند أقصى حدودها الشرقية.

الأدميرال الماحي وسلالة "مينغ"

حينما استقبل وزير الخارجية الصيني السابق "يانغ جيتشي" لوزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون في 4 سبتمبر 2012 آتية للإستفسار عن تحركات الصين ببحر الصين الجنوبي أكد لها أن "هناك الكثير من الأدلة التاريخية والقانونية لإثبات أن الصين لها السيادة على الجزر في بحر الصين الجنوبي والمياه المجاورة". نفس التصريح تناقله رئيس الوزراء الصيني السابق "وين جياباو" بقوله "هذه هي الأراضي التاريخية للصين منذ العصور القديمة".

والتعليل الشرعي الوحيد يعود إلى الماحي الشاب العربي المسلم المنغولي الذي استقدمه امبراطور سلالة "مينغ" والذي أطلق عليه هذا الأخير إسم “Zheng He" 1371-1433 . تدرب على القتال والملاحة إلى أن اشتد عوده وأبحر في سبع رحلات إسكتشافية. كان أول ما اكتشفه هو بحر الصين الجنوبي معطيا إنطلاقة فعلية للجغرافيا السياسية الصينية الحالية. (سوف نستعمل كلا الإسمين في هذا النص أي الماحي و Zheng He .)

بعد غزو مسقط رأسه "كونيانج" في مقاطعة "يونان" عام 1381 بمنغوليا، استقدمه الإمبراطور "يونغ لو "، حيث تدرب على خدمته. من المدهش في بنية الماحي أنه في سن العشرين "أصبح يبلغ طوله سبعة أقدام ويبلغ محيط خصره جد عريض. كانت عيناه ساطعتان وصوته عالٍ مثل الجرس. لم يتعود الصينيون على رؤية قامات طويلة بذلك الحجم. كسب حنكة في التعامل مع الحرب وتراكمت لديه خبرة في إدارة المعارك. ارتقى Zheng He الماحي من وضعه السابق كأقلية ليكون أحد أكثر أعضاء سلالة "مينغ" نفوذاً. المثير في شخصيته أن ضل مؤمنا بالدين الإسلامي إيمانًا مبكرًا، ودرايته باللغة العربية وانفتح في رحلاته على المناطق الإسلامية التي تقع في الغرب الاقصي.

سافرت أساطيله إلى آتشيه وباليمبانج وسيريبون وسيمارانج وجريسيك. أقام علاقات دبلوماسية مع مملكة ماجاباهيت في جاوا الوسطى. ربما كان Zheng He مسؤولاً عن إدخال نظام الحكم والسياسة الصيني إلى المملكة الجاوية. وفقًا لمولجانا (2005) ، عندما كانت مملكة "ماجاباهيت " الهندوسية الجاوية في حالة تدهور، ساعد الماحي المجتمع المسلم الصيني السكان الأصليين في إنشاء مملكة "ديماك "الإسلامية في الأرخبيل.

وفقًا لـChoirul (2012) خلال إحدى رحلاته، تدخل Zheng He في حرب أهلية في جاوة وأنشأ ملكًا جديدًا هناك. وأضاف نفس الكاتب أنه بعد أن نزل في مرفئ في "سيمارانج" عام 1413 لإصلاح سفينته، كان يصلي يوميًا ، والمكان الذي صلى فيه لاحقًا أطلق عليه "Zhen He". أكد الزعيم الديني والباحث الإسلامي الإندونيسي هامكا (1961) أن تطور الإسلام في إندونيسيا والملايو يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأدميرال الماحي، وهو مسلم صيني. حيث بنى مخازن للحبوب ومستودعات وكانا للوضوء.

فيروس كورونا والجيوسياسة الجديدة

شهد شهر أبريل الماضي تحركا مثيرا للاهتمام ومبعثا على القلق الوجودي ليس فقط للدول المحيطة والمطلة على المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي بل حتى الدول المتوسطة القوة ككندا. قلق جعل كل من الولايات المتحدة الأمريكية الإسراع للتأسيس الفعلي لتحالف يصد طموحات الصين في بحر الصين الجنوبي. تحالف انظمت إليه كل من أستراليا، اليابان والهند. سُمي بالرباعية Quad. يأخذ هذا التحالف شكل مربع هندسي يحاصر بحر الصين الجنوبي.

تنطلق الولايات المتحدة الأمريكية من جزيرة هواي في قاعدة محادية لمدينة "هونولولو". أبحرت حاملة الطائرات الصينية "لياونينغ" وخمس سفن حربية بالقرب من جزيرة "أوكيناوا" اليابانية، ثم استدارت جنوبا مرورا بشرق تايوان. كانت Liaoning هي حاملة الطائرات الوحيدة في غرب المحيط الهادئ لأن USS Roosevelt كانت محصورة في ميناء في "غوام" بعد أن ثبتت إصابة المئات من طاقمها بـ Covid-19. نفس المصير لاقته حاملات الطائرات الفرنسية "شارل دوكول". اعتبر هذا الحادث أخطر تحد تقوم به الصين منذ الحرب الباردة.

للصين مفهوم مغاير للجغرافيا السياسية حيث تؤثثه ميزتان خاصتان. أولاً، تعتبر الصين الرباعية المتحالفة ضدها "حالة تأهب قصوى سنوية عادية". ثانيًا، تشعر الصين أن تحالف أمن المحيطين الهندي والهادئ IPSA يمثل تهديدًا وجوديًا حقيقيًا بسبب قدرته على التحمل في الوقت المناسب واحتمال زيادة العضوية فيه من قبل دول الأسيان. عندما يتم تجميعها الآن أي Quad وIPSA في كيان دفاعي واحد فيتحول بذلك إلى تهديد وشيك و حقيقي للصين.

المشكل الثاني الذي يؤرق الصين حاليا هو حروب المياه التي ستقرر مستقبل آسيا، من فيتنام إلى الهند وباكستان، حيث تسيطر التبت والصين على 90٪ من موارد المياه. وهذا هو التهديد الذي بسببه لا تريد دول جنوب وشرق آسيا إغضاب الصين. حيث أن أحدث التقارير الواردة من حوض "ميكونغ" السفلي تثير القلق المتزايد من أن فترة أخرى من الجفاف هي على الأبواب،

مما يؤثر على لاوس وتايلاند وكمبوديا وفيتنام. بينما كانت الصين تحجز المياه في بعض سدودها على نهر ميكونغ. الأمر الذي عجل بخلق تشكيل هيئة بديلة للتعامل مع “ ميكونغ " تحت مسمى (تعاون لانسانغ-ميكونغ) ، والسياسات التي انتهجتها في سعيها لتفضيل التجارة الصينية في عمليات التخليص على طول مسار نهر ميكونغ لتعزيز التجارة النهرية. حرب المياه ورقة أخرى في يد الصين تستعملها كل حين حينما تقتضي الظروف.

تعقد ندوات دولية وأبحاث معمقة تدور حول شخصية الماحي Zheng He. حيث سميت منح أكاديمية وتجمعات في العلاقات الدولية باسمه كذلك في كل من سنغاورة و ماليزيا وإندونيسا.

تاريخ النشر : 11-11-2020