عبد القادر فلالي: عندما يكون جارك القريب نظامًا عسكريًا
عبد القادر فلالي
سوف يأتي يوم نرى فيه إخواننا الجزائريين يناقشون مساعيهم من أجل مستقبلهم وإحلال السلام في بلادهم المدنية انطلاقا من مدن وجدة وطنجة وبوزنيقة والصخيرات والداخلة المغربية، كما فعل أشقاؤنا الليبيون والسوريون.
التنبؤ بسلوك قبلي للدول هي مؤشر ضعف تُحسب ضد تلك الدول. أصبح النظام العسكري الجزائري متوقعا للغاية. بعبارة أخرى، "الجيش في الجزائر هو استمرار للسياسة بوسائل أخرى" هكذا كان يمكن ل"كارل فون كلاوزفيتش" أن يُلخص نظام الثكنة الجزائري.
أعاد الجيش إنتاج طبقته الخاصة، الأرستقراطية العسكرية، التي أدخلت روحًا عسكرية في نفوس الجزائريين الذين كانوا يأملون ويطمحون في تغيير طبيعة العلاقات المدنية والعسكرية من "دولة الثكنة" إلى "دولة مدنية". في الأسابيع الماضية، طفت حادثة لم تكن في الحسبان إنها فئة العُقداء الشباب داخل الجيش الجزائري والإعلان العلني للنظام العسكري في الجزائر عن مجموعة من كبار الضباط المتعاطفين مع "الباديسية النوفمبرية".
الأربعاء 14 يوليو 2021، سجن 30 جنرال جزائري وضباط رفيعي المستوى بتهمة "الفساد والترويج لمقترحات لتقسيم البلاد". ومن بين هؤلاء الأمين العام السابق لوزارة الدفاع الوطني اللواء عبد الحميد غريس بتهم "الإثراء غير المشروع وإساءة استخدام المنصب واختلاس الأموال العامة".
لكن الجزء الأهم من الحكم العسكري هو "تورطهم مع جنرالات مسجونين آخرين في حرب الدعاية الإلكترونية الممنهجة لما يسمى" باديسية نوفمبر "بحسب ما أوردته صحيفة" الجريدة "الناطقة بالفرنسية الموالية للنظام. ظاهرة الحكم العسكري المستمر في الجزائر هي بمثابة "نظام انقلاب مستقر"، والذي اعترف المجتمع الدولي وحتى الجماعات داخل الدولة في حكمه المستمر ككيان شرعي.
وفقًا لروبرتس، يعمل الرؤساء الجزائريون "كرؤساء صوريين أو رجال واجهة لأصحاب السلطة الحقيقيين" الذين يقومون بأكثر قليلاً من "وظائف احتفالية أو علاقات عامة" (ص 8). في الواقع ، منذ عام 1992، تُرك الرؤساء في السلطة كمندوبي علاقات عامة).
الحكومة المؤقتة للقبائل بفرنسا تنشط منذ عشرات السنين وحركة رشاد تتمتع بحرية في لندن ولم نرى غضبة أو "أنفة" أو "شوارب" جزائرية اهتزت وحذرت، بل وقطعت العلاقات مع "ماكرن" و"وجونسون".
من خلال دراسة عملية تشكيل الدولة عبر تاريخ الجزائر الممتد إلى الحكم الاستعماري الفرنسي حتى الحرب الأهلية التي طال أمدها في أوائل التسعينيات ثم مقارنة حالة الجزائر بخمس دول مصدرة للنفط مماثلة ، ثبت أن النفط ليس له تأثير سببي في ترهل الدولة وخندقتها في الدول السائرة في طريق الانهيار بفعل الاستبداد و ضعف مؤسسات الدولة السائدة في الجزائر. بل نعزوها بالأحرى إلى الاستراتيجيات التي تستخدمها النخب السياسية لإضعاف أي معارضة للدولة، بما في ذلك استراتيجيات القمع وخلق أعداء وهميين والتلاعب.
يهتم إطار الدولة الريعية أيضًا بالآثار السياسية للنفط والإيجارات. وبوجود كميات هائلة من الريع من النفط، يصبح القادة "أقل مساءلة أمام المجتمعات التي يحكمونها، وأكثر استقلالية في اتخاذ قراراتهم وسلوكهم.
وفقًا لصمويل هنتنغتون، عندما فشلت المؤسسات السياسية والاجتماعية، غالبًا ما يُنظر إلى الحكم العسكري على أنه حل للأزمة ويمكن أن يحظى في كثير من الأحيان بمستويات عالية من الدعم الشعبي. أهم دور للجيوش هو البقاء في الثكنات والدفاع عن البلاد، فقد نجح الجيش الجزائري في وضع نفسه كحماة ومحرر للشعب الجزائري. وبالتالي، فمنحها الشرعية السياسية. فجعل من "سوناطراك" البقرة الحلوب.
في حين وحتى في أحلك النظام العسكري البرازيلي فلقد جعل من "بيتروبراز" جزءا من الوطنية البرازيلية عكس الجزائر التي يتضح بجلاء خصخصة الشركة للجيش وحاشيته. تم تقسيم المعارضة ومنعها من التعبئة الجماهيرية.
من خلال قرض قيمته 20 مليار دولار من صندوق النقد الدولي في عام 1994، تمكنت الدولة من الحفاظ على شبكات العملاء مشحونة وواجهة لإعادة توزيع السماسرة وبارونات المخدرات القادمة من دول أمريكا اللاتينية. مع ارتفاع أسعار النفط بشكل مطرد في عام 2000، كان لدى القادة السياسيين ريع أكبر يمكنهم من خلاله التلاعب بالرأي العام والتخفيف من حدة المعارضة.
إن تأثير الهيدروكربونات على الاقتصاد الجزائري وبالتالي على النظام السياسي جد حاسم، وبشكل تأثيرا كبيرا لأنه يُنتج الولاء الذي يمكن للحكومة الجزائرية أن تشتريه من أجل الحفاظ على سلطتها. لبعض الوقت، كان النظام الجزائري قادرًا على تجنب انتفاضة شعبية من خلال عائدات النفط والغاز، مما أدى إلى توزيع مبالغ سخية من المال على الجماهير (2013، ص 1).
مكّنت عائدات النفط الحكومة من شراء ولاء شرائح مختلفة من السكان وشكلت إلى حد كبير أساس شرعية النظام المترهل (2013، ص 10). إن نظام التحويل الاجتماعي الذي يستخدمه النظام الجزائري من خلال الإعانات الحكومية والتحويلات والإيجارات، التي تُدجن بشكل فعال ولاء السكان والهدوء الاجتماعي بالمكافآت المالية (2013، ص 105). كان هذا فعالاً بشكل خاص عند مواجهة نهاية عهد الاستقلال لجبهة التحرير الوطني. يمثل قطاع المحروقات عنصرًا رئيسيًا في الاستراتيجية المذكورة أعلاه لأنه يوفر للحكومة الجزائرية سيولة لا تنشأ عن ضرائب المواطنين.
وُصف نهج المغرب في معالجة المشاكل القادمة من الجزائر بالصبر التاريخي. في صميم الصبر التاريخي، هناك اعتقاد بأن التاريخ المشترك والعلاقات الأخوية، رغم أنها ليست مثالية، إلا أنها أفضل من العديد من النتائج المحتملة. أثناء التعامل مع بلد مثل الجزائر، ما نراه قادمًا من الجزائر ليس أخوة وطيبة وشهامة، بل هو وضع يزداد سوءًا بوتيرة متسارعة. عاجلاً وليس آجلاً، أدت هذه الوتيرة إلى قيام الجزائر، دولة نظام الثكنة تمويل وإيواء واحتجاز الصحراويين المغاربة في بلدة جزائرية تسمى تندوف لغرض وحيد: زعزعة استقرار المغرب لما يقارب خمس عقود. ورغم كل هذا فالمغرب لازال صبورا.
يبدو أن المغرب قد جرب جرعة من كل شيء جيد تحت أشعة الشمس لمواجهة خطر العلل القادمة من الجزائر. ومع ذلك، خلال ربع القرن الماضي، لم يتحسن أي شيء. لن تكون هناك صيغة سحرية للجزائر. ما دام الجيش في السلطة.
نصف قرن، كانت ومازالت للدبلوماسية الجزائرية هم واحد "إنه المغرب"، تم تخصيص موارد مالية ضخمة فقط لفرملة صعود المغرب، فشنت حملات معادية وخيالية وكاذبة ضد المغرب. نتذكر أنه في 20 أكتوبر 2017، أعلن وزير الخارجية الأسبق، عبد القادر مساهل، في منتدى لرجال الأعمال الجزائريين: المغرب يغسل، عبر بنوكه، أموال "الحشيش" و"الخطوط الملكية المغربية تنقل شيئًا ما بخلاف الركاب.
بالإضافة إلى جيش الدبلوماسيين، لم تتوقف كتيبة من الصحفيين من وكالة الأنباء الجزائرية (APS) أبدًا عن إثارة خطاب الكراهية تجاه المغرب، وغالبًا ما تستخدم التضليل والدعاية في حقبة الحرب الباردة. موضوعهم المفضل في قسم الأخبار الدولية ليس سوى الصحراء المغربية. للحصول على فكرة عن هذا التثبيت غير الصحي..
باستخدام المؤسساتية التاريخية كأداة للتحليل لفهم المؤسسة العسكرية الجزائرية. سوف نستشف طبيعة التفكير العسكري الذي نجده في أدبيات دراسة النظم العسكرية في أمريكا اللاتينية، إفريقيا، أسيا وأروبا الشرقية. النظام العسكري وليد الفترة الاستعمارية يخشى الجار المستقر المتجذر في التاريخ صاحب هوية ممتدة عبر سلالات أمازيغية وعربية بنت الحضارة المغربية.
عندما عبر يوسف بن تاشفين إلى الأندلس عام 1086 للقتال ضد الملك القشتالي ألفونسو السادس في معركة الزلاقة، كان بنو حماد الذين حكموا ما كان يُعرف آنذاك باسم (نصف الجزائر اليوم) منذ أن كانت تلمسان جزءًا من المغرب. عمل بنو حماد على خلق قلاقل في شرق المغرب وإذكاء نعرات. وأدى ذلك إلى عودة الأمير يوسف بن تاشفين إلى المغرب فور انتصاره في معركة الزلاقة. تجنب الدخول في الحرب مع بني حماد.
بحكمة، أرسل يوسف بن تاشفين رسالة إلى أمير بني حماد، في وقت يتعين عليهم فيه الاتحاد لمواجهة القشتاليين في الأندلس (ابن خلدون 1385، ابن الأثير، 1231 وعلي بن موسى 1955). وبعد عشر سنوات حاول بنو حماد الدخول من الشرق فأمر الأمير يوسف بن تاشفين جيوشه بالتراجع ومد يده والتصالح معهم من جديد واسترضائهم بعزل والي تلمسان واستقدام ولي جديد (ابن الأثير).
في التصريحات التالية لاثنين من السياسيين السابقين يمثلان المغرب والجزائر يؤكدان فرضيتنا في هذا المقال. الراحل عبد الرحمن اليوسفي رئيس الوزراء المغربي الأسبق والشخصية التاريخية التي نشأت في اليسار ورافقت فترة التناوب بالنجاح في التسعينيات يقول: "لقد تلقيت بفرح كبير ورضا بالغ ما جاء في خطاب جلالة الملك.
إن الدعوة إلى تهيئة كل الظروف الإيجابية لتحقيق مصالحة تاريخية مع أشقائنا الجزائريين، بروح بناءة متوافقة بين قيادة البلدين، وأن جميع الملفات مفتوحة للتداول دون أي شروط، وأن دولنا وقادتها لا يحتاجون إلى أي وساطة لابتكار حلول لجميع المشاكل العالقة بينهم.
على عكس حماس الراحل عبد الرحمن اليوسفي، قال الوزير الجزائري الأسبق محيي الدين عمور إن فشل الجزائر في الاستجابة لدعوة المغرب للحوار كان "استجابة مهذبة" بسبب حالة عدم اليقين في هذه الخطوة، لأن الثقة بين البلدين كانت مفقودة منذ عام 1963. في تحليله لخطوة الملك محمد السادس، يقول السياسي الجزائري: "للوهلة الأولى بدا خطاب العاهل المغربي محملاً بالنية الحسنة، لكن القراءة الواعية تؤكد خداعًا واضحًا. "
إن تصريحات القادة السياسيين تنطوي على حقيقة واحدة وهي أن الجزائر مقتنعة بالنوايا الحسنة للمغرب، ومع ذلك فإن عقيدتهم العسكرية لا تسمح بأي ثمن بإجراء عملية المصالحة هذه وفتح حوار ثنائي حقيقي.
لا يوجد تجمع أو حدث دولي إلا وتحاول الجزائر من خلاله تشويه سمعة المغرب ودفع الأموال لبلدان في إفريقيا وأمريكا اللاتينية واستقطاب لوبيات الضغط في أوروبا والولايات المتحدة.
كانت الجزائر الدولة العربية الوحيدة التي انتقدت حق المغرب في جزر ليلى. في الوقت نفسه يتم تنويم شعب بسرقة أموال الشعب الجزائري المحتاج إليها والذي يصبر على الطوابير لساعات طويلة مقابل قنينة زيت مائدة أو قطعة خبز في حين تصرف أموال هذا المواطن الجزائري في شلف أو في مستغانم في شراء الذمم من أجل مهمة واحدة فقط: زعزعة استقرار المغرب. لكن رغم كل هذا، المغرب انطلق والقطار في سكته يسير بوثيرة وخطى ثابتة. وما يزال المغرب صبورا وحكيما.
تاريخ النشر : الأربعاء 25 أغسطس 2021 م