عبد القادر فلالي: المواطنة الإلكترونية
عبد القادر فلالي
عندما نواجه جائحة المعلومات المضللة والقلق الإضافي الذي تُسببه، فإننا نخاطر بالوقوع في سُمنة المعلومات بدهونها وترهلاتها والكسل.
الشيء الوحيد الذي ينتشر أسرع من الفيروس هي المعلومات المضللة التي تؤثر على الجماهير. إذن، السؤال النقدي لهذا اليوم هو: ما الذي يجنيه أفراد من خلال العمل المُضنى والجهد الجهيد لخلق المعلومة المضللة والكاذبة والتي بفعل تكرارها يوما عن يوم تصبح خطابا وسردية مشككة في كل الجهود؟ الذي يُفبرك مقطعا من البرازيل أو الهند ويُدبلجه بلكنة مغربية لبث القلق والذعر والشك أتعتقدون أنه يشتغل لوحده أو أنه من باب المتعة أراد "إخراج شريطه". ليس هناك شيء بريء.
مهمة من تكمن مسؤولية توعية المجتمع بشأن المعلومات المضللة والخاطئة والتشهير؟ فهم كيف تُبنى السرديات التي لا أساس لها والتي أصبحت سمة مميزة لما نسميه جائحة المعلومات والاعتراف بخطر الفيروس المعلوماتي والحاجة إلى تعزيز فكرة العقل السليم عن طريق تعليم المواطنة الإلكترونية خطوات تساعدنا على التصدي للتهديدات القادمة والمستقبلية.
تُستعمل "حُفرة الأرانب" للمعلومات المضللة كصيغة تشبيهية لقدرة الأرانب حفر مخارج ومداخل كثيرة يصعب معرفة من أي حفرة ستخرج الأرانب ومن أي حفرة ستدخل. والسبيل الوحيد هو أن يصبح تعليم المواطنة الإلكترونية أولوية وطنية ملحة.
ليس من قبيل المبالغة القول إن العقد الأخير وخاصة السنتين الأخيرتين أعادتا تشكيل مشهد حرب المعلومات. بدأت ساحة اللعب عبر الإنترنت، التي كانت مفعمة منذ فترة طويلة بالسم المقصود من خلال الخوارزميات والمديرين التنفيذيين لوسائل التواصل الافتراضي المكرسة لإبقاء الأشخاص ينقرون ثم ينقرون. وعلى الرغم من محاولات التشدد من موزعي الأكاذيب عبر الإنترنت، ولو حتى مشاهدة عشرات الآلاف من منظري المؤامرة والمتطرفين حساباتهم وقد تم سحبها من محاور مختلفة إلا أن الحرب ضروس مادامت المجتمعات والدول عاجزة عن تقزيم هذه التصرفات.
إذا لم نقم بإعادة تأسيس أخلاقيات احترام الحقائق فلن يتم حل أي شيء آخر. لا يمكننا القضاء على فيروس المعلومات إذا أصر الملايين على أن هناك خدعة وأن الرجل الرمادي والمتنورون والماسونية و"بيل كيتس" هم وراء مؤامرة كبرى. لا يمكننا استعادة ثقة الجمهور إذا رفض الملايين تصديق أي شيء تقوله وسائل الإعلام. هذا لن يتأتى دون إصلاح للإجماع على ضرورة احترام الحقائق واكتساب المهارات اللازمة "لنتعلم كيف نُميز" بين الحقيقي والمزيف، والمتلاعب والأصيل. إن بناء مهارات "محو الأمية الرقمية" أو "المواطنة الإلكترونية" هي الطريقة التي نبني بها مزيدًا من المرونة في التعاطي مع المعلومات المضللة.
لطالما ارتبط الأمن القومي بالتعليم كركيزتين أساسيتين لتأمين البلاد من منزلقات التهديدات والاستعداد الدائم لكل الأزمات المستقبيلة لأمتنا. من واجبنا الاستعداد وتدريب الجيل القادم وتزويده بنوع المهارات التي تسمح له بتجنب تكرار أخطاء عصرنا. الحاجة إذن أكثر لتجاوز نهج سياسة التكنولوجيا التقليدية. وبدلاً من ذلك، جعل سياسة الأمن القومي وسياسة التعليم جنبًا إلى جنب لمساعدة المدرسين والأطفال والآباء، والعمل الملح لدعم وإنشاء برامج محو الأمية الرقمية الفعالة.
تاريخ النشر : الثلاثاء 26 يناير 2021 م