عبد القادر فلالي: سقوط الأوروبانية.. الأعراض المَرَضية


عبد القادر فلالي: سقوط الأوروبانية.. الأعراض المَرَضية

عبد القادر فلالي

"الحضارات العظيمة لا تُغزى من الخارج حتى تدمر نفسها من الداخل" ابن خلدون الأوربانية هي أكثر من مجرد كلمة نُضيف لها (نونا وياء وتاء). إنها ببساطة الفكرة، مجموع القيم والمبادئ التي من المفروض أنها أسست اللبنات الداعمة للسوق الأوروبية المشتركة ثم إلى الإتحاد الأوروبي ويأتي على رأسها مبدأ احترام مؤسسات الإتحاد.

Europeanization الأوروبانية هي الروح الجامعة في المقام الأول، ثم تلاها إجراء النشاط الاقتصادي بشكل متزايد عبر الحدود الوطنية (Supranational) لحركة الأشخاص ورؤوس الأموال. وفقًا لهذا التفسير فإن أولئك الذين ساهموا في تأسيس أوروبا الموحدة رسموا إطارا متينا مدمجا مع المعايير والقيم الديمقراطية التي يتقاسمها جميع الأعضاء. هذا المعجم القيمي تضمن بعدًا أخلاقيًا قائمًا على التقاليد الفكرية الطويلة للقارة ا"لديمقراطية الليبرالية" منذ أن أعلن وزير الخارجية الفرنسي الأسبق "روبرت شومان" عن الأسس الأولى لهذا المشروع.

ليس جزافا هنا أن نُقحم القراءة الخلدونية من باب الترف الفكري بل من قدرة منظر سياسي وفكري بامتياز، قرأ صعود وسقوط الحضارات منذ القرن الرابع عشر الميلادي لتأتي فئة رواد العلاقات الدولية في الولايات المتحدة الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي لتقدم قراءة للحضارات والهيمنات السابقة مصطلحين عليها إسم: نظرية الاستقرار الهيمني Hegemonic Stability Theory . الحضارات والهيمنات تفترس ذاتها من الداخل قبل أن تغزوها قوة من الخارج. وتبدأ الأعراض المرضية لكل حضارة حينما يتم ازدراء قيمها ومؤسساتها. ونستعرض في هذه الورقة:

العَرَض المَرَضي الألماني وتقويض مؤسسات الأمن الأوروبية

قامت ألمانيا بتقويض مؤسستي الشرطة الدولية Interpolومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا OSCE في سابقة من نوعها قامت السلطات الألمانية بكشفت أسرار بالغة الأهمية بالتواطؤ مع أحد المدانين بأعمال إرهابية ، من خلال الكشف عن معلومات حساسة قدمتها أجهزة الأمن المغربية لشخص يصدر فتاوى بارتكاب أعمال إرهابية تحت مسمع ومرآى الألمان. ألمانيا "هيلموت كول" وألمانيا "جيرهارد شرودر" ما كانت لتقع في مثل هكذا "تنمر" في العلاقات الدولية دون مراعاة قيم الإتحاد الأوروبي ومؤسساته. حيث تعتبر ألمانيا ذاتها مخولة بالتعامل مثلا مع روسيا في مشروع أنبوب غازها والسوق الصين.

تعالي الدور الإقليمي الصاعد للمغرب على جميع الأصعدة (الدور في حلحلة الوضع بين الفرقاء الليبيين عبر محطات الصخيرات، بوزنيقة ثم طنجة، اعتراف أمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، المغرب صاعد كقوة إقليمية أصبحت تُضرب له حسابات، مشاريع طاقية ضخمة وقوة رفريقية أطلسية..) عوامل خلقت هاجسا وجوديا داخل العقلية التـآمرية الألمانية التي تأثثت بتعاليها الكولونيالي القديم معتقدة أنها باستطاعتها الضغط على الدول بإشارة أصبع.

"لهذا السبب فإنه من المجازفة أن تتلاعب ألمانيا مع المغرب " منصة الأخبار الألمانية WELT

“Darum ist es für Deutschland riskant, sich mit Marokko anzulegen”


عندما يتعلق الأمر بمصلحتها، فإن ألمانيا لا تعطي أهمية لبطاقة "حقوق الإنسان"، كما كان الحال مع الصين. حيث كانت ألمانيا أول دولة تسمح لشركة Huawei على الرغم من المخاوف الأمنية والمعارضة الهائلة، مررت حكومة المستشارة أنجيلا ميركل التشريع إلى البرلمان الألماني للسماح لشركة Huawei ببناء شبكة 5G.

باعت "فولكس فاجن" 4.2 مليون سيارة في الصين في عام 2018 مقابل 350 ألف سيارة مباعة في الولايات المتحدة. ديمقراطية ألمانيا حين التجارة تستغني على دعوات " لحقوق الإنسان أو المبادئ الديمقراطية"، فقط المصالح الدائمة.

العَرَض المَرَضي الإسباني وتقويض مؤسسات العدالة والأمن الإسبانيين والزج بالإتحاد الأوروبي إسبانيا والتمويه المافيوزي في العلاقت الدولية

عاش العالم فصلا فريدا لدولة من الإتحاد الأروبي وكأنه مشهد كتاب من Mario Puzo الشهير، مؤلف كتاب "العراب" God Father، حيث تنكر "مايكل كورليوني " في تجارة زيت الزيتون بينما كان يدير ألة مافيوزية . أسبانيا وضعت نفسها في معضلة مخزية. أولاً، قوضت نظامها القضائي بأكمله بينما كانت تؤوي "مجرم حرب" بموجب وثائق مزورة. ثانياً، لقد ضحت بتاريخ طويل من الجوار الطيب مع المغرب.

والأكثر من هذا دق آخر مسامير في نعش الإتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا المدوي.

رسالة المغرب الواضحة: التخلص من خطاب "المعلم والتلميذ"

أكد وزير الخارجية المغربي في العديد من المناسبات أن خط السكة الحديد انطلق. هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أم ستتحلى بالشجاعة وتستقل المقطورة. التردد في الإعتراف بالصحراء المغربية من لدن الأوروبيين يخلق حالة من عدم الاستقرار لأوروبا في شمال إفريقيا. وبالتالي، فإن الدول الأوروبية مدعوة اليوم للتعبير عن دعمها العملي والواضح لمبادرة الحكم الذاتي، والابتعاد عن منطق خطاب إمساك العصا من الوسط والظهور بزي الحكماء الديبلوماسيين واللعب على كل الحبال.

الأوروبانية هي إذن تلك المعتقدات والمعايير المشتركة التي تم تعريفها وتوحيدها في صنع السياسة العامة للاتحاد الأوروبي ثم دمجها في منطق الخطاب المحلي والهويات والهياكل السياسية والسياسات العامة. كل هذا جميل ليصبح حقيقة تدميرية تعمل الأنانيات الضيقة للدول توسيع هوة الأعراض المرضية داخل الإتحاد، هذه العنجهية تارة والرعونة تارة أخرى عجلت فطنة البريطانيين باتساع الورم صعوبة تداركه.

إن كان ابن خلدون حينا بيننا سوف يقول: إن جيل النخبة الألمانية والإسبانية الحاكمة التي تحرص في سلوكها السياسي والأخلاقي على التجبر والطمع والترف وتقويض المؤسسات، ينتقل فيها الشعور بالمسؤولية الاجتماعية والسياسية وحسن الجوار التي تقلّدوها منذ زمن التأسيس إلى شعور آخر، إلى "نخبة" تدوس الجميع من أجل مصالحها الخاصة ورفاهيتها وحدها دون غيرها. هذا الجيل "الميركلي"

و "اليسار المهترئ الإسباني" سوف يضيف ابن خلدون: هؤلاء نسوا عهد البداوة والخشونة حينما كانت تغزوهم قبائل "الفايكينغ" كأن شيئا لم يقع، ويفقدون حلاوة العز والعصبية التي وضع حجر تأسيسها "روبرت شومان" منذ خمسينيات القرن الماضي حينما أدوج مجموعة الفحم والصلب حيث قساوة العيش بعد حرب عالمية ضارية.

عبد القادر فلالي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوتاوا، رئيس مجموعة تفكير PoliSens

تاريخ النشر : الجمعة 11 يونيو 2021 م