أبي في المزرعة ـ عبد القادر فيلالي


أبي في المزرعة ـ عبد القادر فيلالي

يذكرني هذا العنوان بقصص المرحوم، الرجل البيداغوجي الكبير أحمد بوكماخ. قصص من قبيل "زوزو يصطاد السمك"، "أحمد والعفريت"، "سروال علي" و قصة "إن الله يرانا". هذه القصة الأخيرة أي "إن الله يرانا" وعنوان نصنا هذا "أبي في المزرعة" يتشاركان في الزمان والمكان لكنهما يختلفان في الحبكة والفحوى.

قصة "إن الله يرانا" تروي حكاية أب إصطحبَ إبنه نحو مزرعة للسرقة، ولما إقتربا منها قال الأب لإبنه "سأدخل المزرعة، وإذا رأيت شخصا ما أطلق صفيرا حتى أنتبه. ولما دخل الأب إلى المزرعة، أطلق الإبن صفيرا، فخرج الأب على التو مهرولا، وهو يقول لإبنه هل يرانا أحد؟ فيجيب الطفل: نعم إن الله يرانا.

قصتنا "أبي في المزرعة" يصطحب فيها الأب إبنه لسرقة المزرعة في وضح النهار. إنها أول مرة يتمرس فيها الإبن على فنون السرقة تحت الشمس والقمر. كان الإبن قبل خوض غمار هذه التجربة "الإنسانية" يرى "الخير" يتدفق على بيته والجاهات تنحر خرفانا، في حسبانه أن كل هذا من "فضل ربي" وما قيل ويقال إنما هو حسد من العباد.

أول درس سيلقنه الأب لإبنه وهما يهمان بهذا الواجب "الوطني" هو "كلما احمرت عيناك في وجه العباد، وتنمرت بسخريتك عليهم، كلما كسبت مشروعيتك في هذا الميراث الثمين..يجب أن ترهبهم".

الدرس الثاني " يجب أن تمشي مرفوع الهامة، لأن لك سجل من "النضال" ولأنك من سلالة "الشرفاء". لا تهتم كثيرا لما يروج حاليا عن عمليات إيقاف حاملي بطائق "الشرفاء"...

قبل مباشرة مهام "نهب الصالح العام" ينظر الأب لإبنه قائلا " يا بني ، إنها حرب الأفكار، إن رسخت الفكرة فأنت المنتصر..هيا إلى العمل..."

المزرعة هي عين بني مطهر ونحن المتفرجون على "مناضلي النهب العام". صدق الأب حين قال لإبنه "إنها حرب الأفكار". عين بني مطهر أكبر أن تكون مزرعة يرتع فيها الجبناء، عين بني مطهر غير راضية عن هوننا وتنويمنا. إننا منومين بفعل محلول صبوه في مضخات "مكتب الماء الصالح للنهب".

في المزرعة عادة ما يوضع مجسم يشبه الإنسان لكي يخيف الطيور من أخذ نصيبها من الطبيعة. هذه هي الصورة كما نعيشها بتجلياتها، لقد صدقنا كذبة أن ذلك الهيكل الموجود وسط المزرعة يضفي شرعية السرقة العلانية. في النهاية ذلك المجسم ماهو إلا بقايا تبن وأعواد واهية.

رجوعا إلى أستاذنا الكبير المرحوم أحمد بوكماخ وقصة " إن الله يرانا"، نطرح السؤال" هل يكفي أن نُردِدِ دائماً "إن الله يرانا.." أم نبني "حرب أفكارنا" بمضمون الحديث الشريف الذي يجزم على "من توكل على الله حق توكله ". هنا يكمن السر "حق توكله" لم يأتي الحديث فقط بمن يتوكل على الله، بل "حق توكله" التي تصفي كل مزاعم مقاومة النهب في الظلال وترديد أناشيد أمام المؤسسات.

عبد القادر فيلالي ـ أوتاواـ كندا

تاريخ النشر: 10-03-2015