ذاكرة الأيام من تاريخ عين بني مطهر


ذاكرة الأيام من تاريخ عين بني مطهر

المصدر : رمضان بنسعدون

1975 عام أسود خيم على عين بني مطهر بِمقتل كريم بنجلون

ذاكرة الأيام من تاريخ عين بني مطهر

كُنا نمرح في سفح هضبة الڭارة بعين بني مطهر في عطلة نهاية الأسبوع بعد دراسة مضنية ذات أحد من أيام العام 1975 ، فتناهى إلى أسماعنا نبَأْ مُفجع إختفاء كريم بنجلون ذي 9 سنوات ، كان أحد أترابنا في الدراسة .. عدنا على عَجلٍ إلى منازلنا و الأسى يمزق أكبادنا فوجدنا القرية يلفُها صمت مطبق و حزن عميق بعد أن إنتشر في أرجائها الخبر العاجل الذي مفاده أن طفلا كان يلهو بين الأشجار قادته الأقدار ليعثر على كريم جثة هامدة مضرج في بركة من الدماء داخل خربة مهجورة وسط الغابة توجد على مرمى حجر جنوبي منزل والده الزبير بنجلون، بمدرسة عبد الواحد المراكشي التي يديرها ..

قيل أنذاك بأن الأخير لو كان يعلم أن الموت يتربص بفلذة كبده لما أرسله ليلاً لإحضار علبة سجائر من نوع "مغرب" من مقهى النصر وسط القرية .. حينها لم يفطن كريم أنّ عيوناً رصدته لم تكن رحيمة بهِ فإستدرجه أحدُ الأشخاص كان يثق به على متن دراجة هوائية خدعه بأنه سيوصله إلى داره و آخر سبقهما لترقب وصولهما إلى الخربة .. فقضيا وطرهما الخبيث و أجهزا عليه ذبحا من الوريد إلى الوريد .. هكذا كان تشخيص الجريمة بعد أن إنكشف أمر الجانيان اللَّذان قضيا 27 عاما حبساً نافذا بتهمة "هتك العرض مع القتل العمد "..

1975 كان عاماً أسوداً بالنسبة لأبناء عين بني مطهر اللَّذين كانت تحوم الشكوك في الإشتباه بهم حول مقتل كريم .. فكثير من هؤلاء عانوا تحت التعذيب بمخفر الشرطة بغرض إنتزاع معلومات كانت تُمارس حيث لا وجود لحقوق الإنسان حينها منهم من فقد تلابيب عقله و منهم من فرَّ من البلدة بعد إنكشاف أمر الجناة إلى غير رجعة حتى اللَّحظة ..

42 عاما مرّت على جريمة مقتل كريم بنجلون و لا زال أهالي عين بني مطهر يتذكرون تلك الأيام التي مرّت عليهم كقطع اللَّيل المظلم حالكة السواد ، كل من قصَّها من أبناء البلدة بأسلوب هيتشكوكي مرعب يؤكد أن عمليات السلخ الوحشية من قبيل( الطيارة ـ الصابون ـ القنينة ) و غيرها التي نُفذت على كل من اشتبه به أدت بكثير من الشباب لهجر القرية آنذاك و أدت بآخرين إلى الجنون ..

و في ذلك الأسبوع الذي تلا جريمة كريم بنجلون التي هزَّت أركان عين بني مطهر في تلك الفترة نشرها عمه عمر بنجلون كاملة بجريدة المُحرِّر التي كان يُديرها إطلعنا عليها .. بعدها بأشهر معدودة قرح آخر يصيبُ عائلة بنجلون مصرع عمر بأحد شوارع الدار البيضاء في أتون إغتيال سياسي ..

****************************

قيل عن العام الأسود

إسماعيلي عبد القادر

تحية إجلالٍ وتقدير لك أخي رمضان على إطلالاتكَ البراقة نحو ومضات مشرقة تشع تارة حزناً وتارة سعادة من تاريخ بلدتنا العريقة عين بني مطهر أو بركنت لازلتُ أتذكر يوم أغتيل كريم بنجلون إبن الزبير مدير المدرسة الوحيدة آنذاك، كان عمري يتجاوز ست سنوات بقليل وكنت فوق سطح بيت بدوار المخزن ، كُنا نقطن بعد مغادرة منزلنا بقصبة الشرفاء بدوار أولاد قدور مضطرين بسبب الفيضانات التي عرفته المنطقة آنذاك ، وشاهدت حركة للناس وبعض السيارات القليلة والناس يقولون أن الزبير يبحث عن إبنه الذي تَغَيَّبَ منذ الليلة السابقة حتى فوجئنا بنبأ وجوده مذبوحاً مما ترك في قلوبنا خوفاً وهلعاً نحن الأطفال لسنوات بعد ذلك .....

****************************

بنعدو الجيلالي

أخي رمضان لما يأتي القدر لا يمنعه شيئ إن أول من أرسله الزبير بن جلون لإحظار علبة السجائر كنتُ أنا وأعوذ بالله من كلمت أنا.. حوالي الخامسة والربع بعد نهاية اليوم الدراسي حيث وجدت محل بيع السجائر مغلق فعدت أدراجي لمنزل المدير وسلمته ثمن العلبة وذهبت إلى منزلي بدوار أولاد قدور لافاجأ في صباح الغد بالمصيبة .. كما أنّ من وجده هو إبن حارس الكنيسة قديماً أظنه ولد بوعودة فأخبر نور الدين ولد الڭرد حارس الغابة٬ الذي كان يسكن بجانب مقر إدارة المياه والغابات الذي أخبر بدوره السلطات لتبدء مرحلة التعذيب لأبناء البلدة نساءً ورجالاً.. اللهم إرحمه

****************************

إسماعيلي أحمد

ماذا أقول لك أخي رمضان لقد فتحت جرحاً غائراً إندمل منذ فترة، حينما يتعلق الأمر بشاب في ريعان شبابه ويقتل بتلك البشاعة لم يقترف ذنباً سوى أن الظروف قادته إلى قدرهِ المحتوم . عائلة سي الزبير رحمه الله كانت بيننا وبينهم علاقة وطيدة بحكم الجورة لسنوات حيث نقطن بمركز الأشغال العمومية فما زلتُ أذكر وأنا في السادسة من العمر آنذاك مشاهد من تلك الفترة الجميلة مع المرحوم كريم نلعب ونلهو ونركض مع ثلة من الأطفال من الجيران لم نكن نفكر يوماً أن الذي وقع لكريم سنعيشه . كان يوماً أسوداً بل وتلته أيام عصيبة وقائع تراجيدية يصعب سردها . رحم الله كريم وبارك في إخوانه وعائلتهم فكانوا نعم الإخوة والجيران . للتصحيح أخي رمضان فمن عثر على الجثة حينها كان أحد أبناء البيطري أوسلاتي وعلى ما أعتقد إبراهيم حيث كان يلاحق طائراً ليصطاده حتى وصل تلك الغرفة المهجورة . تحياتي سي رمضان وأنصحك وأنت عزيز على قلبي أن تدون كل هاته الحكايات والقصص التي تتعلق بمدينتنا في كتاب سيما وأن أسلوبك في الرواية لا يُعلا عليه .

****************************

محمد أمين الرميسة

بعد هذه الإلتفاتة الجميلة من الأخ رمضان الذي عاد بنا سنوات للوراء مذكراٍ إيانا بتلك الذكرى الأليمة التي قضت مضاجعنا آنذاك يمكن القول أن كل من عايشوها تركت لديهم جرحاً غائراً سيلازمه طول حياته وأنا من بينهم رحم الله كريم ووالده المرحوم الزبير وربما علينا نحن قدماء مدرسة عبد الواحد المراكشي التفكير في طريقة لتكريم هاته العائلة التي صارت جزء من ذاكرتنا والشكر موصول للأخ رمضان

تاريخ النشر: 15-01-2017