سيرة ذاتية العودة من المهجر، موت والدي و ولوج الحياة الزوجية


سيرة ذاتية العودة من المهجر، موت والدي و ولوج الحياة الزوجية

المصدر : رمضان بنسعدون

بالجماهيرية في مستهل تواجدي بها ، كنت أقوم في فترة الصباح بغسل السيارات إزاء متحف طرابلس على المتوسط أربح 25 جنيها في النصف الأول من اليوم و في الفترة المسائية ، أبحث عن العمل على طول شوارع و أزقة و معامل طرابلس و وصلت حتى الضاحية الجنوبية بالعزيزية .. لأعرج على وسط المدينة ليلا أبحث عن الكارتون كباقي المهاجرين بالقطر الليبي أفترشه بباحة مقهى المغاربة يلتم بها مهاجري إفريقيا السوداء جنوب الصحراء و كذا السوريين ، الفلسطينيين ، الأردنيين ، السودانيين ، الجزائريين ، التوانسة ، الكوريين و الصينيين و جنسيات أخرى ،

نفترش الكارتون و نتغطى به للإتقاء من برد الليل ، نتجاذب أطراف الحديث لتتجافى جنوبنا على المضاجع و القر يدغدغ أجسادنا بين الفينة و الأخرى حتى إنبلاج الفجر لنتمسح كالقطط الشاردة أمام بوابة المقهى حول طاولة الفطور لتلفح أبداننا أشعة الشمس بعد أن أنهكتها برودة الليل .. و ما حز في النفس في بلد العقيد القذافي الذي بمجرد ما تدخل ليبيا عبر الحدود التونسية تجد يافطة مكتوب عليها مرحبا بالأشقاء العرب و أخرى تحمل " اللهم إجعل هذا بلدا آمنا " الحڭرة و الإضطهاد من قبل قوات القمع الليبية بالضرب و التنكيل بالمهاجرين ليلا و طردهم خارج مدينة طرابلس

و سبهم بنعوت و أوصاف حاطة من كرامة الإنسان ، فقلت في قرارة نفسي هذه هي ليبيا التحرر و الديمقراطية و اللجان الشعبية .. ؟ كان خلالها ينتابني إحساس بأن شمس بلدي التي أنجبتني نأت عني و تحولت إلى مجرد شبح ينتقل هنا و هناك و شعرت كما شعر الجميع بالغبن و ناحت في دواخلي جراح قديمة .. و بالرغم من أنني أحببت ليبيا من خلال عشقي حد الهوس لبرنامج " مع الثائرين في مواقعهم " و رفض معمر للغطرسة الغربية و تشبثه بالعروبة .. و بينما أنا أخلد لقيلولة مستظلا تحت إحدى قناطر طرابلس إستعدادا للبحث عن العمل عشية ،

فإذا بطيف أبي رحمه الله يأتيني بعد هنيهة من النوم بلحيته البيضاء و هندامه المعهود ، و إذا بمفاتيح العمل تنفرج و تفتح غداة ذاك اليوم ، فولجت ورش إسكافي عملت به قرابة 3 سنوات برفقة سودانيين ، كنت بين الفينة و الأخرى أحاول البحث عن ممر للضفة الأخرى عبر جزيرة صقيلية ، لكن في بعض الأحيان تتعقد الأمور من خلال " الحراكة " و لم أفلح في القفز إلى أوروبا كما فعل كثيرون و عدت أدراجي إلى بلدي ، فحاولت أن أبدأ حياة جديدة بالبحث عن العمل ، فلم أجد سوى جريدة الحياة الرياضية التي كان يديرها محمد بنيس عقب عودته من مجلة الصقر بقطر و أيضا جريدة "النخبة" الرياضية ثم جريدة "الشرق" الجهوية ..

عقب ذلك و عملت بمطرا غاز بشركة بيزيكيلي المتخصصة في إنشاء مصافي البترول و ضغط الغاز ، فغادرت البلدة للبحث عن آفاق جديدة مرة أخرى عقب وفاة والدي فإرتعدت فرائصي و إرتجفت ساقاي في صلاة الجنازة فلم أستطع أن أتمالك نفسي لحظة مواراة أبي الثرى ، و عقب تلقي التعازي عدت إلى المنزل و قد أغرورقت عيناي بالدموع فكففتها و قلت في قرارة نفسي ،

الآن أستجمع كل قواي بهدف الدخول في مجابهة أعباء الحياة و قد ثقل كاهلها علي نظرا لقلة ذات اليد و لظى الفقر الذي إكتوينا بناره ، فمكثت رفقة والدتي التي شجعتني بمعية إحدى أخواتي بالإقدام على الزواج ، و أنا في خضم عمل الحراسة الليلية فإتجهت صوب تافيلالت من أجل البحث عن النصف الآخر .. يتبع

تاريخ النشر: 24-01-2019 م