عنزة السيد حمودان
بقلم محمد مهداوي
كعادته كل صباح ،دلف السيد حمودان إلى الإصطبل ،ليتفقد خرافه ويلقي التحية الصباحية على عنزته المحبوبة.
- أهلا عزيزتي الغالية
- أهلا سيدي
- كيف حالك؟
- كما تركتني البارحة ، حزينة …
لماذا ؟ماذا أصابك؟
ألم يحن بعد إطلاق سراحي لأتمتع بالمروج المزهرة وأتجول بين أشجار البلوط والعرعار المترامية فوق جبال بني يزناسن؟
- لا زلت غضة .إصبري حتى يشتد عودك ،إن الذئاب تترصدكم معشر الماعز في كل مكان .
إذن سوف لن تحررني أبدا ،رغم أنك تعرف أني سأزورك بين الفينة والأخرى ،كن متيقنا أنك إن لم تحررني سيأتي يوم أحرر فيه نفسي .وسيصيبك الندم الشديد.
تأمل السيد حمودان عنزته مليا ،لأن كلامها كان منطقيا ومقبولا .ولكن الخوف والفزع هو الذي جعله يتصرف معها هذا التصرف الغريب .لا زالت قصة العم سوغان ترن في أذنيه .ولا يتمنى لعنزته مثل هذه النهاية الدرامية ،إسترجع السيد حمودان شريطا طويلا ،حافلا بالمسرات مع عنزته الصغيرة ،تذكر حين ولدت فماتت أمها أثناء الولادة ،وكيف كان يرضعها بيده ،يحن عليها و غالبا ما كانت تنام في حضنه…
رجع السيد حمودان إلى الحضيرة ،ربت على ظهر العنزة وقال لها والدموع تملأ عينيه.
- هل أسأت معاملته يوما ما عنزتي الغالية ؟
- أبدا سيدي…
إذن ،لماذا تودين مغادرتي؟
- لأني أحب أن أعيش حرة .أستمتع بهذا الفضاء الفسيح دون قيود ،وأختار من العشب ما لذ وطاب، و أحتك مع أصدقائي الحيوانات. ألم تقاوموا الفرنسيس بقوة السلاح من أجل الحرية أيرضى يزناسني حر بهذه العبودية؟
هذا الكلام المفحم وقع كالصاعقة على هامة العم حمودان، بدأ يترنح يمنة ويسرة ، تائها ، تلعثم لسانه برهة ثم إستجمع فرائصه وخاطب عنزته قائلا :
- هل هذا هو قرارك الأخير؟
نعم سيدي ولا قرار آخر بعده …
- إذن ،سأطلق سراحك وأنا غير واثق من إكتمال رجولتك .لكن آخر وصية أوصيك بها. ألا تعتمدي القوة في حياتك، فأنت لا زلت طرية ،ولا يمكنك التغلب على الذئاب والثعالب، لأن منطق القوى في صالحهم….
سأكون عند حسن ظنك سيدي، فقد شاهدت مقالبكم للعدو الفرنسي وكيف كنتم تنسجون الفخاخ لهم من أجل إصطيادهم …. سأكون زناسنية حرة وشرسة. سأدافع عن شرف كل زنا سنية أبية…
- إطمأن العم حمودان لهذا الكلام وطلب فك عقالها ثم ترك عنزته تهيم وسط المروج، فرحة نشيطة بعالمها الجديد، عالم الحرية والطلاقة …
لم تمر إلا ليلة واحدة ، كان القمر فيها منيرا، حتى سمعت صوتا مرعبا بين الأشجار، إقترب منها بتؤدة وقال لها :
- - مرحى. مرحى. أتعرفين من أكون ؟
- أعتقد أنك سيدي الذئب
- صح، أنت ذكية و مهذبة. ومع ذلك سوف أفترسك إفتراسا، لأنني مريض بالسعال وأنفي يسيل منذ مدة طويلة كما ترين وأنت عنزة معشبة ب فليو والعرعار والزعتر …. ستكونين دواء ناجعا لعلتي…
- ههههههه، ماذا تقول يا سيدي ، لقد منع علي الطبيب كل هذه الأعشاب ،فأنا في فترة حمية ،مع الأسف جئت متأخرا…
- ماذا تقولين…مرض….حمية….ما العمل إذن؟
- أمهلني أياما حتى ألتهم هذه الأعشاب الطبية لأكون لك دواء ناجعا…
- أنت تفكرين في شيء ما….أليس كذلك؟
- لا تُسِئ الظن بي فأنا لازلت صغيرة على ذلك، أنظر إلى الحقل أسفل الجبل، كله عرعار و فليو والزعتر … هيا نطل عليه لترى إن كنت صادقة؟
- حقيقة سأصدقك و إعلمي أنك لو خدعتني سيكون عقابك قاسيا جدا….جدا….
- لا .لا تخف، لقد فقدت الأمل في الحياة …. وكم سأكون سعيدة إن أنقذت حياتك و ضحيت من أجلك، هيا تعالى معي سيدي الذئب لترى جمال فليو والعرعار والزعتر….فمجرد شمه سيزول عنك بعض الألم…
-- حقا أنت عنزة غريبة و طيبة في نفس الوقت….
رافقت العنزة الذئب إلى قمة الجبل واشرأبا من عل على حقول الدواء المزعوم….وفجأة لم يحس الذئب بنفسه إلا وهو يتهاوى من عل ليسقط كالهشيم في قعر الوادي.
أحست العنزة بالفخر٬ وتذكرت كلمات سيدها، الحيلة قد تكون لك عونا في حربك مع الذئاب….
فعلا، سجل التاريخ هذه الحادثة وتكلم عن أذكى عنزة في تاريخ الماعز، ولا زال الناس يرددون بفخر وأنفة …. قصة العنزة الزناسنية، التي إستطاعت بفطنتها و ذكائها أن تقضي على الذئب، ولقد غيرت هذه الحكاية كثيرا من المفاهيم ولم يعد الذئب هو أذكى حيوان على البسيطة.