من صميم سيرة ذاتية : الصبا و أول دخول للكتاب لرمضان بنسعدون الجزء الأول


من صميم سيرة ذاتية : الصبا و أول دخول للكتاب لرمضان بنسعدون الجزء الأول

المصدر : رمضان بنسعدون

مقدمة " يكتسب المرء تجارب عديدة خلال مراحل حياته ، فيسعى أن لا يُفوت الفرصة دون تدوينها و كتابتها ، خاصة إذا كانت هذه التجارب تكتسي أهمية بالغة و لها من الإفادة و النفع ما يكفي إرتأيت أن أتقدم بهذه "السيرة الذاتية" المتواضعة بغرض سرد حقبة زمنية مَررت خلالها في حياتي بظروف عصيبة .. وددت أن يستطلعها الجميع لمعرفة كنهها و مراميها ، و أهديها لأمي التي كابدت المتاعب لتربيتي و قاست المر و الحلو لأعيش في أحسن الظروف ...."

ذات يوم شتائي ، صادف أنذاك :8 من شهر الصيام من العام 1968 ، كان مسقط رأسي بعين بني مطهر بخيمة في المكان الذي شيدت به مدرسة المتنبي حاليا ، طفولتي برغم الفقر كانت أرجوحة من شغب جميل ،

منذ أن وعيت على نفسي قادني أبي إلى كتاب عين بني مطهر مدرسة الحسنية التي درس بها كل مقاومي عين بني مطهر و أبنائها فدرست لدى السي محمد بنعلي رحمه الله الذي أول من ربانا على تعلم الحروف الأبجدية و حفظ القرآن الكريم و كلما تمردت على أمي تأتيه جدتي رحمها الله لتحريشه علي فيؤنبني أمام أترابي بِربْطي بحبل أمامهم حتى يحاول إذلالي لكي لا أعود للتمرد مجددا ،

و كنت حينما أخرج مساءً أتجنب السير على الطريق الوطنية رقم 17 بوصاية من أمي التي كانت تخشى أن يقع مكروه لفلذة كبدها و ذات يوم رميت قنينة خمر فارغة على الطريق فخفت أن أمر أمام الدرك الذين كانوا يحرسون حاجزا أمنياً بالعلامة المنتصبة على حافة الطريق التي تحمل إسم عين بني مطهر بمدخل المدينة بمقر تعاونية الحليب حاليا و لم يكن هناك سوق مغطاة في تلك الفترة ، و كانت إلى الجانب الآخر من الطريق تنتصب خيمة المكي مستعمل الناي مع الشيخ عبد الله المڭانة

كنت أمر بها لأصل إلى خيمتنا التي كانت منتصبة بالمكان الذي توجد به مدرسة المتنبي حاليا ، و كان والدي قد جلب باب سيارة صديء بجانب الخيمة فلائمني للكتابة عليه و الرسم أنقلها من "قراءتي" لأبو كماخ و كان القطار يمر بالقرب مِنا كان يتملكني رعب و تخالجني مخاوف من آلات حديدية شبيهة بإنسان حديدي موضوعة على مقربة من السكة الحديدية و كانت توضع أمامها كومات الحلفاء لشحنها بعربات القطار في وقت كانت تعرف النبتة السهبية عصرها الذهبي بإتاحتها لفرص شغل لساكنة منطقة عين بني مطهر ، و كنا نرى ما سمي ب "الدريزي" أصفر اللون الذي يتقفى خطى الأعطاب التي تحدث بالسكة بحيث كانت لا تبعد عنا أول بيت بُنِيت بحي الفيضان في سبعينيات القرن المنصرم

لزوج خالتي بوجمعة بونوة الحداد .. و قد كنت محظوظا لأنني حظيت بتربية مزدوجة من أبوين ، الأول أبي بموسى الذي كان أكثر قساوة معي في عدة مواقف لكنها أفادتني في مراحل حياتي و أبي الثاني زوج خالتي الذي رباني أحسن تربية كوني عايشته بمصنعه أمام مقهى التجارة الذي كان يتقن فيه فن الحدادة و صناعة بنادق الفروسية و السكاكين و "تسمير الخيول" كنت بمثابة إبنه و مساعده ، و كثيرا ما أعنته على نفخ كير الحدادة ، و ما يحز في النفس أننا إفتقدنا هذه الحرفة بعين بني مطهر لعدم الحفاظ عليها كموروث مهني و ثقافي بالبلدة ، لكنني بالرغم من ذلك حرصت على الدراسة بمراقبة و إيعاز من والدي الذي أكد علي طيلة طفولتي بالمثابرة و الإجتهاد في التحصيل العلمي ، كم كان يحرص علي في إعداد التمارين و الحفظ ليلاً و فجراً تحت نور الشمع ..

و أتذكر جيداً لحظة تقسيم حي الفيضان من طرف البناء الماهر عبد القادر الزقالمي بن موحى الذي كان مجرد بناء و قام بهندسته بإتقان عقب ذلك بعام ولجت المدرسة لأول مرة درست لدى بوعزة مجدوبي بقسم التحضيري بأول مدرسة بنيت بالمغرب مع دخول الإستعمار الفرنسي عام 1905 ليدرس فيها أول الأمر أبناء الفرنسيين ثم تم توسيعها عام 1936 أجلسني أمام ملال إبن حارس المركز الغابوي فشعرت بالخوف كونه كان أبلها.. كُنا ساكنة قليلة بخيام متجاورة ثم عقبها بدأ دوار الفيضان يكبر رويدا و أتت تسمية حي الفيضان لما غرقت عين بني مطهر جراء فيضانات أمسخسخة في العام 1975

إثر الأمطار الطوفانية و إنهارت دُور سكنية فأعتبرت عين بني مطهر أنذاك منطقة منكوبة فأتت الإغاثة عن طريق الهليكوبتر بإمداد الساكنة بالمؤن و الأغطية و بناء خيام للمتضررين و بني حي للمساكين لكن قروية عين بني مطهر أقامتها للكراء حارمة المنهارة دورهم من السكن أتذكر بأن أبي جلب لي جريدة "المحرر" التي كان يشرف عليها عمر بنجلون و قرأت لأبي كل التفاصيل التي اعتمدها عمر بالتحقيق الذي قام بنشره بإحدى صفحاتها عن كارثة فيضانات وادي أمسخسخة الطوفانية .. في سبعينيات القرن المنصرم ،

لم يكن التطور كما هو في عصرنا الحالي قليلون من كانوا يحضون بالتلفاز بالمنزل ، كان أول من جلبه بالدوار العطواني يستخدمه بواسطة محرك ، كنا ثلة من الطفال نهبط وسط المدينة مساء بغرض التسلي بمشاهدة مباريات الكرة و الرسوم المتحركة و الأفلام أمام البوابة الجانبية لمقهى النصر أو مقهى التجارة و أتذكر أنني شاهدت بمعية والدي لدى أحد معارفنا و أنا لم أزل طفلا صغيرا لا يتعدى 7 أعوام حرب 1973 بين العرب و اليهود ، لمحت فواهات المدافع مرفوعة إلى السماء ، فلول العساكر المدججة بالأسلحة المختلفة ، لم أكن حينها أعرف بأن اليهود يحتلون أرضا عربية إسمها فلسطين ، بيد أن شعورا بإسم فلسطين إستقر في كياني كالوشم منذ ذلك الحين ..

تاريخ النشر: 14-10-2018 م