من صميم سيرة ذاتية إندثار حرفة الحدادة


من صميم سيرة ذاتية  إندثار حرفة الحدادة

المصدر : رمضان بنسعدون

من صميم سيرة ذاتية : إندثار حرفة الحدادة التي فرطنا فيها

كانت أيام الطفولة جميلة و قد تركت لدينا ذكريات لا تمحى من الذاكرة في وقت أن عين بني مطهر لم ينساها حتى الذين غادروها ممن مروا منها و قد كانت زقاق و دروب البلدة تعج بالصخب الطفولي و تعج بالتاريخ و التقاليد الشعبية بحيث كنا لا نبرح مكانا إلا و قضينا فيه مرحا و لهوا و تجربة ففي رمضان كنا عقب صلاة التراويح نملأ الأمكنة صخبا و نمر على مقاهي البلدة التقليدية كمقهى قادري و مقهى السي أحمد "بلكرون" و مقهى ولد زينون فكنا نطفيء على البعض ممن كانوا يلعبون الورق (الكارطا) فتنطلق أفواههم بالصياح و العويل و الصفير و السب

كما كنا نتراشق بالقزبر و المعدنوس و النعناع الذي يدعه المتسوقون على جدران البلدة لأخذه في الصباح للسوق السبوعي و نتلهى ببعض المقاهي المذكورة في لعبة "اللوطو" فنذهب منهكي القوى قبل موعد السحور إلى منازلنا و أتذكر أننا كنا نتفرج في العام 1977 في رمضان عقب الفطور على مسلسل سيف بن ذي يزن الذي كانت تشارك في بطولته سميرة توفيق التي كانت تغمز بإحدى عينيها و هي تؤدي أغنية" قهوة نشا موهب تسكب على الفنجان" بحيث كان التلفاز بالمنازل لدى القليلين بالبلدة

و كم كنا نغتبط فرحا لما يهل علينا ذكرى المولد النبوي فنرغم أباءنا على تمكيننا من مسدسات تقليدية نبيت نطلق من خلالها ما يشبه البارود و المفرقعات علاوة على أن الكثير منا كانا نلعب ب" و المقلاع و الفخ ( المنداف ) غيرها لصطياد الهدهد و الطيور و الحمام .. هذا غبض من فيض ما كنا نقوم به كصبيان في تلك الفترة ..

و في ذات السياق فإنني بالرغم من أنني كنت مساعداً لأبي الثاني بوجمعة الحداد الذي كان يسهر على تربيتي بمصتعه الصغير ، لم أستفد من تجاربه في كسب حرفة الحدادة و صناعة بنادق الصيد و السكاكين و السروج ذهبت الحرفة في مهب الريح و لم نعد نراها اليوم بالبلدة بحيث أننا لم نحافظ عليها ، كان ينصحني بالحرص على العمل ، لكنني لم أكترث لكلامه و نصحه ، فندمت على ما كنت أقترفه من أخطاء بعدم الإنصات للنصح ، كثيرا ما كان يحدثني على تجاربه لأكتسب منها الخبرة حدثني حتى عن سيرة والده الذي زار الديار المقدسة و أدى بها مناسك الحج مشيا على قدميه من عين بني مطهر حتى مكة المكرمة

و قد قص علي قصة عنه مفادها أنه كان يتسوق بفيجيج في تلك الفترة من العشرية الأولى من القرن العشرين مع أبناء دواره بلمريجة فإنطلق معهم للعودة إلى البلدة من سوق فيجيج وهم على صهوات جيادهم فلما وصل إلى لمريجة سألوه عن مرافقيه فقال لهم إنطلقنا جميعا دفعة واحدة فلم يلبثوا إلا ساعة حتى ظهروا من بعيد يسوقون جيادهم و هي منهكة من السير لقد سبقهم الحاج أمحمد أب بوجمعة الحداد بحوالي نصف يوم حيث كان يهرول في مشيته حتى سموه ب " أمحمد الهروال " .. كان أبي الثاني بوجمعة يعاملني معاملة الأب لأبنه ..

تاريخ النشر: 11-11-2018 م