عين بني مطهر زهرة النجود العليا بين الأمس و اليوم ..؟


عين بني مطهر زهرة النجود العليا بين الأمس و اليوم ..؟

عين بني مطهر زهرة النجود العليا بين الأمس و اليوم ..؟

المصدر : رمضان بنسعدون

يحتاج كل من أَلِف عين بني مطهر أو" بركم " كما يحلو للكثيرين تسميتها حنين جارف كلما تذكر ماضيها الجميل ينقض عليها بشوق المغتربين عند مطلع كل صباح يبكر لدخول"الفيلاج" حمالون مع المجانين الذين يبيتون على أرصفته يتمسحون بجدرانه كقطط فقدت ذويها ، لأن هؤلاء مقتنعون بأن عين بني مطهر هي حتما قدرهم و جلدهم الملتصق بهم كما يصبو كل من يعرفها ، يبحث أو يتذكر أناسها يقلب تاريخه معها لأن أمكنتها تترك بالدواخل ما يكفي ليتيم بطبيعتها كل العمر .. يتسابق الحمالون الذين يخرجون من الجردة كأشباح بعد أن كحلتهم أدخنة النار التي تَحَلَّقوا حولها إحتماء من صقيع دجنبر يتسلقون أولى الشاحنات لتفريغ شُحنتها من الدقيق أو الشعير

المُدَعمَين أغلبهم يترنح من الثمالة.. بائعو النعناع و ما جادت به ضيعا ت سهب الغار من منتوج فلاحي قرعة ( يقطين ) بصل، لفت، طماطم بطاطا، بطيخ و مشمش و غيرها و بطيخ غرب البلاد و بائعو السمك و محلات بيع المواد الغذائية بالجملة عربات مجرورة بالحمير و الدواب يعج بهم شارع فاس يتقاطع مع شارع السوق أين كانت ممتلكات اليهود بدأ بمقهى فندق كاطا و متاجر يوسف و بامي و الدريزي الأعرج فضلا عن محلات لصناعة الأحذية و الزرابي و عند زاوية طريق البريد كان الحداد بوجمعة بونوة صانع بنادق الفروسية ، السروج و تسمير الخيول ، أفران الخبز لطاهر سعود و المير أحمد الفيجيجيين و " العربي" أين كان كل أسر عين بني مطهر تنضج رغيفها اليومي و روائح الحلوى اللذيذة عند اقتراب عيد الفطر تنبعث من بعيد ،

مقهى المهدي التي كانت تعج بالبَدْو الرُحَّل الذين يبيتون بها ليلة السوق الأسبوعي على مقربة من مقر "الجندرمة " الساحة المقام بها مقهى الجوهرة حاليا كان يتوسطها تمثال المارشال اليوطي حاكم البلدة الأول و قائد الحملة الإستعمارية الذي غزا البلدة مطلع القرن الماضي 1904، ذكر شاهد عيان بأن رأس اليوطي نقل بواسطة فرقة عسكرية فرنسية إلى متحف اللوفر بباريس في العام 1959 .. حاليا تغيرت ملامح القرية التي تحولت خلال العشرينية الأخيرة إلى مدينة في أعقاب التقسيم الإداري بداية التسعينيات لتتدرج ضمن المدن السائرة في طريق التنمية البشرية بالرغم من أنها نالت موقع حضري منذ 1927 لكنها بلا تنمية ..

آخرون من أبنائها يتلكئون في الأوبة إليها أو بالأحرى زيارتها لم يعودوا يهفون إليها كما سبق و ما فتئوا يفضلون غربتهم لأنهم لم يجدوا إستطاعة في تحمل مشاهد مدينتهم التي شهدت مسقط رأسهم و ترعرعوا في حضنها ، إجتاحها سواد حالك عقب فقدها إشراقتها المعهودة نتيجة التهميش الذي طالها عنوة .. بالرغم من المساحيق التي تضفيها عليها التقارير الرسمية كونها ترفل في نعيم الثروتين المائية و الحيوانية .. فذاك لن يزيح عنها الزي الأسود الذي غدت تتشح به من فرط تفاقم الحاجة بشكل أفظع .. همشت من أن تنال حظها بعرض ذاتها على السياح و لو بما يعتريها من بؤس و عجز و تشوهات أريد لها أن تنمو بها ،

أبناءها القدامى الذين يودون رؤيتها حينما يحلو لهم الجو ، كلما توغلوا بداخلها ، يكتشفون مدينة زاروها أول مرة بعثورهم على عدة أنماط التناقضات حيث كانت تستفحل الدعارة أما اليوم وقف رجال ضد هذا الخبث فأزاحوه عن حيي المحطة و لكرابة و المجانين و شباب المدينة المنحرف الذي ينزوي بالمنتزه و المباني المهجورة .. لم يجر بخلد أحد أن المدينة التي أنجبت مشاهير شخصيات برزت في ميادين السياسة ، الشعر ، الرياضة و فن الرسم و الصحافة كشهيد صحافة الاتحاد الاشتراكي "عمر بنجلون" و "حسن فاضل" الذي امتشق فانلة الفريق الوطني لكرة القدم و "بومدين المطهري" و " الزواوي" و بوصلعة الميلود في الشعر

و حكيم عزوزي و رمضان بنسعدون في الفن التشكيلي ، أصبح يستعصي فيها الحكم بهكذا ملكات.. لم يعد يستغرب أحد أن تلتقي فيها مظاهر الثراء الفاحش من قبل خفافيش الظلام مع الفقر المدقع في بحبوحة واحدة لا إنفصام فيها.. يتبادلان بينهما لعبة القط و الفأر ، في صمت تبدو المفارقة صارخة يعكسها مشهد رهيب تطاول أثرياء الممنوعات في التعالي ببنائهم إلى عنان السماء و مشاريع تقايضت بغسيل المال مقابل دور متهالكة دون إحساس بالفارق الطبقي .لم يكن أحد يتوقع لمكان يمتلكه الحنين إليه في خلجاته و وجدانه مصيرا مجهولا كالذي يغرق في وحله .. لأن كل من فتح عينيه لأول مرة بهذه البلدة...

بوسعه أن يحلم لها بمستقبل أزهر من أن تكون بؤرة تترعرع فيها كل أنماط الخطايا الشاذة و يلتجئ إليها مختلف النازحين من كل حدب و صوب بالرغم مما يلمسه المرء في بلدتي من تمدن إلا أنها تمتزج بالبداوة و روث البهائم المختلط بالغبار و أدخنة المرور .. لقرابة ما لا يقل عن عقدين باتت المدينة تعج بالغرباء تبدو في نظرهم مجرد ملجأ بعين بني مطهر صنعت رجالات لا يمكن أن يطويهم النسيان كالحاج بن الطاهر بندقيته كانت لا تفارق كتفه ، عيناه متقدتان تثيران الرعب فيمن يتفرس فيهما كنمر بوجوده كان لا أحد يتجرأ على الإقتراب من الأراضي البورية بالظهراء ، عبد الرحمان الفيوح ، الذي برع في فن المطرڭ لم يهدأ لحاكم بركنت بال بهدف محاولة إذلال البطل المطهري حتى جلب له أحد أبطال هذا الفن من الرياضات من بشار الجزائرية فبارزه الفيوح أمام جمع غفير من المتابعين 4 ساعات من النزال كانت المباراة في مجملها لفائدة إبن عين بني مطهر

كان في الكثير من الأحيان يمد العصا لخصمه البشاري لمواصلة النزال إلى أن هزمه الفيوح فإعترف البطل الجزائري ببطولة الفيوح في هكذا ميدان بحيث أن الفيوح كان يبارز 10 رجال في المطرڭ فيهزمهم دفعة واحدة .. ، عمر بنجلون ، ناضل من أجل بؤساء هذا الوطن حتى نذر حياته لهذه الفئة المسحوقة إلى أن أستشهد عقب إغتياله بمدينة الدار البيضاء على يد غادرة .. رجال البلدة سقطوا في فخ إصلاح فلاحي لما يناهز 1000 هكتار ، بدل من أن تكون لديهم نعمة أصبحت نقمة بحيث لم تفلح مقايضة الماء بالكهرباء بتضليل من المسؤولين.. فإندثرت خلاله عشرات الأشجار المثمرة و بقيت الأرض قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا و لا أمتا ،

فيضانات وادي الشارف في سبعينيات آخر قرن من الألفية الثانية لم تشهد لها عين بني مطهر مثيلا ، سوت الأمطار الطوفانية خلالها عدد من الدور السكنية بالأرض فأعلنت المنطقة منكوبة ساعتها ، إنحنَت البلدة أمام زمجرة الطبيعة ، لجبروت السيل العرم للمياه الفيضانية تارة و تارات أخرى لجبروت الجفاف الذي أتى على الأخضر و اليابس لعقود من الزمن .. و من المآسي عرفت عين بني مطهر جرائم قتل كثيرة من المقامي إبان المقاومة إلى الزاكي مرورا بكريم بنجلون و محمد الداودي و معمر المجذوب إلى ولد الشامبيون إرتكبها عديمو ضمائر ..

أطفال صغار يصادف خروجنا من المدرسة باحتقان الشارع بعين بني مطهر جراء اعتصامات الإستقلاليين أمام قيادة البلدة بغرض إخلاء سبيل مرشحهم المختطف " الميلود" ما لبث الجو يهدأ في سكون سبق العاصفة حتى سمعت لعلعة رصاص المخزن يدوي فوق رأسي و أنا أجوب زقاق القرية ، أطلقت ساقاي للريح غير مبال تحت إستبداد الهلع حتى وصلت منهك القوى و محفضتي لا تفارق يدي و كأن ريَاحاً ساقتني على بساطها إلى منزلي بسرعة مذهلة ، بمجرد وصولي يوازي وصول الخبر إلى الجزائر بحيث بث على أثير إذاعتها في حيز مقتضب" إطلاق نار كثيف من قبل المخزن المغربي على خلفية الإنتخابات الجماعية خلف قتلى في صفوف الإستقلاليين "ببركنت"

جرت من هنا سنوات الرصاص عبر عين بني مطهر مرتين عام 1976 و عام 2002 يوم أُختطفنا و زميلي محمد فلالي في يوم قائض كوميسير مفوضية شرطة البلدة إلى غابة لعريشة أين مارس علينا صنوف التعذيب الجسدي و النفسي بغرض إنتزاع إعترافات عن كيفية المصادر الصحفية التي تعتبر رأس مال الصحفي .. هيئة الإنصاف و المصالحة لا زالت لم تبث بعد في مِلفِنا المطروح لديها منذ 2004 بهدف جبر ضررنا المادي و المعنوي حتى الآن لعل زملاءنا الصحفيين يحركون البركة الراكدة بحجر المؤازرة من خلال و على هامش المؤتمرات الصحفية و نقابة الصحافة ..

و قد حان الوقت ليعترف المجلس الوطني لحقوق الإنسان بذلك و كذا جبر الضرر الجماعي الذي تعرضت له الساكنة خلال أحداث يونيو 1976 الأسود .. بالرغم مما يثيره ما آلت إليه مدينتي عين بني مطهر من تذمر منذ إستقلال بلادنا من ربقة الإحتلال الفرنسي الذي كانت بدايته عبر هذه البوابة ..،يضل يراودني حلم أن ينهض بها المسؤولون عن تدبير الشأن العام و جعل ساكنتها أقل بؤسا و إعادة الإعتبار لها من خلال جلب الإستثمار لها عن طريق التنمية البشرية و دعم الفلاحين و مربي الماشية في وقت أن البلدة تعد عاصمة للنجود العليا و ما لها من مؤهلات سياحية و كذا الصناعة السينيمائية حتى لا تبرحها يوما الساكنة و تدعها قاعا صفصفا و تبقى أثرا بعد عين و مجرد أطلال للمرثيات..

تاريخ النشر: 2012/09/13